الجمعة، 21 مايو 2010

عروس الجنوب


هذه حكاية الشهيدة سناء محيدلي كما أراها .
كان يامـا كـان ..
في ماضي الزمان .. حكاية محبّة وصوب .
حكاية وفا وحنان ..
وعشق لثرى لبنان .. في قـلب الجنوب .
حكايات ..
تروي عن فتاة خجولة ..
سـيرة مـحبّة سامية ..
تفوح بعـبير وطِيبْ .
حكايات ..
تروي عن فتاة عجولة ..
بشوق وعواطف حامية ..
مـتلهّـفة لحـبيب .
وفي يوم م الأيام ..
زفَّت عروستنا البشرى لأمها :
اقريّب احبيّب عمرها ..
لحضنه الحنون يضمّها .
واهمسَت ..
همس النسايم للزَّهر ,
ولقطر النّدى والطل :
"
حبيبي الوفيّ يا يام ..
طالب ايديّ وقربكم ..
اقريّب عليّ ايهلّ " .
وفي سرّها قالت سناء :
" حبيبي الوفي يا يمِّي ..
تعذَّب , استنجَد , وارتمى مجروح ..
عاتب عـلينا ما قطعنا قيده .
آن الأوان بدمِّـي ..
نفـديه بأيام العمر بالرُّوح ..
انحاول انمدّ ايديّ ناخذ بيده
" .
وفاضَت علي خدّ العروس دموع ما امنعتها ..
وسالَت وراها دموع .
ألتفـتَت عـروسـتنا سـناء لـمـينتها ..
وقالت بكلّ خشوع :
"
دمعة فرح يا يام لا تهتمِّي ..
حبيبي الوفيّ يا يمِّي ..
طالب ايديّ وقربكم .. اقريّب نكون معاه ..
غالي عليّ يا يمِّي ..
غلا الرُّوح عندي ..
و النّفس ..
يشهد عليّ الله
" .
وضمَّت ايديَّات امّها ..
وعيون أمها رقراقة .
مشاعر , عواطف ..
فايضـة , دفّـَاقـة .
"
ميعاد فرحِك يا سناء ..
ميعـادنا مع الفرحة .
أخـيراً كبرتي يا سناء ..
و نلبّسـوك الطّرحة
"
تعلَّت زغاريد امّها في بيتها .. ألتمّـوا لها الجيران .
ومن كلّ حَـدب وصوب .. الأصحاب والخلاّن .
ألتمَّـوا ايهـنُّوا في سناء .. ويزيّـنوا الـمكان .

في اقدوم الحبيب المُنتَظَر .. كانت الفرحة بينهم مقسومة .
في اقدوم الحبيب المُنتَظَر .. كانت البسمةعالشّفاه مرسومة .
وطالَت مراسيم الفرح ..
والنّاس في نظراتهم ..
لوم وعتَب وسؤال يحتاج للتفسير .
قالوا معازيم الفرح ..
وهم ينظروا لساعاتهم ..
"تأخَّر حبيبِك يا سناء انشاالله المانع خير " .
وغابَت سناء عن هلها .. و غيابها طوَّل شوي .
عليها انشغَل قلب امّها .. انتشروا شباب الحيّ .
يطووا الشّوارع طيّ :
" وين يا سناء اختفيتي ..
شغلتي خواطرنا بطول غيابِك .
ليش يا سناء ما جيتي ..
عليك يا سناء متخوفين احبابِك " .
وفي عزّ لهفتهم عليها سمعوا ..
من فوق السّحايب .. أصوات طبل ودفّة .
وسمعوا أنغام غريبة ..تشبه أنغـام الزّفـّة .
وسمعوا نداء يناديلهم ..
كان النداء يحكيلهم :
" دون الكرامة , والشّرَف , والعرض ..
ردَّت سناء بيديها ..
الِّلي امخضّبات بحنّة .
احتفلَت ملايكة السّماء والأرض ..
والنّور حايط بيها ..
بزفّة سناء للجنّة
" .
عادَت الأم أدراجها لحجرة سناء ..
وو قفَت هناك دقيقة ..
بدموعها أتناجيها .
شافَت علي جنب الفراش وساد ..
وفوق الوساد أوريقة ..
حفنة تراب عليها .
مدَّت الأم يديها .
مكتوب :
بسم الله . بسم الوطَن . بسم الجهاد .
((
إلى الحبيبةِ الْغَالِيَةِ أُمِّي ..
أَكْتُبُ كَلِمَاتِي اَلأَخِيْرَة :
إِنَّ اَلْمَشَاعِرَ اَلَّتِي تَنْتَابُنِي ..
وَاَلْعَوَاطِفَ اَلَّتِي تَتَأَجَّجُ فِي دَمِي ..
هِي أَكْبَرُ مِنْ أَن تُمْنَحُ لإِنْسَان ..
فَهْي قَـلْبٌ يَصِـيحُ : لُبْنَااااان .
وَيَدٌ تَكْـتُبُ فِي كُـلِّ مَكَان ..
عَلَى اَلأَورَاقِ .. وَاَلْجُـدْرَان ..
لُبْنَان , لُبْنَان , لُبْنَان , لُبْنَان .
وَالآنَ يَا أمّي سَأكْتُبُهَا .. بِدَمي . و أُثِيرُ بِهـَا رُعْـبَا
وَقَرِيْبَاً يَا أُمِّي سَأُصْبِحُ .. أَشْلاَءً تَـتَطَـايـَرُ حُـبَّاً
فَأَنَا يَا أُمِّي مُتَيّـَمَـةٌ .. بِـحَبِيْبٍ قَدْ مُـزِّقَ إِرْبَا
.))
ذابَت الأمّ دموع ..
وعضَّت صوابع دَيها .
فرح ونَدَم ..
راحة وألَم ..
أحَاسيس واجد فيها .
احتسبت سناء لله ..
وقالت بلوعة وآه ..
"
يرضى عليك الله يا قلب أمك ..
يا بدر ضاوي في الظّلام الحالِك .
عشَقتي وبذلتي في المحبّة دمِّك ..
يا قلب نابض في جسَد متهالِك
".

ومرَّت أيام .. وأيام ..
وحكاية سناء ولبنان ..
يرويها بشموخ وعزّ ..
الكبار للصبيان :
"كان يا ما كان ..
في ماضي الزّمان ..حكاية محبّة وصوب .
حكاية وفا وحنان ..
وعشق لثرى لبنان ..في قلب الجنوب " .
وصية الشهيدة سناء :
أنا من مجموعة قررت الاستشهاد في سبيل التحرير..
أنا الشهيدة سناء محيدلي عمري 17 سنة . أنا من جنوب لبنان المحتلّ المقهور ومن الجنوب المقاوم والثائر . من جنوب المقاومة ، من جنوب الشهداء ، من جنوب الشيخ راغب حرب ، من جنوب عبد الله الجيزي وحسن درويش ونزيه قبرصلي وبلال فحص ، وأخيراً وليس آخراً من جنوب الشهيد البطل وجدي الصايغ .
أنا أخذت هذا القرار من ضمن مجموعة قرّرت الاستشهاد في سبيل تحرير أرضنا وشعبنا لأنني رأيت مأساة شعبي في ظلِّ الاحتلال من قهر وظلم وقتل أطفال ونساء وشيوخ وتهديم منازل، فقرّرتُُ عندها القيام بعملية الفداء . وأنا مرتاحة جداً لأنني سأنفذ هذه العملية التي اخترتها أنا كي أقوم بواجبي نحو أرضي .
وإنني أطلب من جميع شابات وشباب بلادي أن يلتحقوا بصفوف المقاومة الوطنية لأنها وحدها قادرة على طرد العدو من أرضنا ، وإنني آمل أن أنجح في عمليتي هذه كي أقتل أكبر عدد ممكن من جنود العدو فتتعانق روحي مع أرواح كل الشهداء الذين سبقوني ، وتتوحد معهم لتشكل متفجرة تنفجر زلزالاً على رؤوس جيش العدو.

من وصيتها التي أذاعتها أجهزة التلفزة في لبنان والأمة والعالم :

أحبائي : " إن الحياة وقفة عزّ فقط " .
أنا لم أمت ، بل حيّة بينكم .. أتنقل .. أغني .. أرقص .. أحقق كل أمانيّ .. كم أنا سعيدة وفرحة بهذه الشهادة البطولية التي قدّمتُها .. أرجوكم لا تحزنوا عليَّ ، بل افرحوا ، اضحكوا للدنيا طالما فيها أبطال .
أنا الآن مزروعة في تراب الجنوب أسقيه من دمي وحبّي . آه لو تعرفون إلى أيّ حدٍّ وصلت سعادتي . التحرير يريد أبطالاً يُضحّون بأنفسهم ، يتقدّمون غير مُبالين بما حولهم ، ينفذون ، هكذا يكون الأبطال .
إنني ذاهبة إلى أكبر مستقبل ، إلى سعادة لا توصَف .
آه " أمّي " كم أنا سعيدة عندما سيتناثر عظمي مع اللحم ، ودمي يهدر في تراب الجنوب , من أجل أن أقتل هؤلاء الأعداء الصهاينة .
وصيتي هي تسميتي عروس الجنوب .
















الثلاثاء، 11 مايو 2010

قراءة في ديوان مهد الغلا

هذه القراءة من كتابات الشاعر علي الفسي – بنغازي - عن موقع الإجدابي .
الإغفاء في مهد الغلا
( إذا لم يأتِ الشعر طبيعيًّا كما تنمو الأوراق على الأشجار فخير له ألا يأتي ) - جون كيتس

(مهد الغلا ) أول إصدار للشاعر الغنائي المبدع عبد السلام الحجازي ، هو طموحٌ لشاعر يصوغ اللُّغة وطنًا ، و يثوي فيها , ولهُ مطلق المكان والزمان ، و يصيِّر الشِّعرَ هويَّةً ومأوى ، تلك ماهيَّة ذات الشاعر ،كأنها فضاء للصمت والصخب معًا ، جرعات من الفكر الوجودي يؤدِّي إلى اندلاق المعنى وتسرُّبه إلى وجدان المتلقي.وإذا كنت ممَّن يبحث عنِ القصيِّ والعصيِّ ستقتحمك النصوص هنا برغبة متوحِّشة لتقودك إلى منابع الدهشة وتستعيد زمام البدايات في احتفالية دائمة تعانق بها عوالم ملحمية بحثًا عن تأسيس ٍمختلف للماضي في قالب الحاضر,وللحاضر أحيانًا بقوالب مُفَلسَفة . ماذا بقي للشعراء الذين يسكبون أحلامهم على ضفاف الكلمات . قصيدة أنوثتها مملوءةً بالدفء,مشبعة بالفتنة العارمة ، متوهِّجةً ،يغمرها الحلم ويفتن بها الممكن واللا ممكن.
مهد الغلا . .منذ الكلمة الأولى في القصيدة الأولى ، تجد أن وتيرة اللغة النمطية الشائعة كُسرت وأن الكيفية التي بُـنيت عليها هيئة القصيدة ، تتجاوز المعتاد وتجترح لغة مرنة معبرة غير تقليدية، حتى أنك تشعر أنها شيء مألوف ، يأتيك بسلاسة وعفوية ، خالقة هيئتها الضرورية لنسج الانسجام وتماسك الرؤية الشعرية التي تؤسِّس تجربةً كاملةً.
من قلب حايس ..
ما عرف طعم السكينة ..
من وجه عابس ..
يبتسم بسمة حزينة ...
من روح في حضن الرَّجا ..
نامت وتحلم بيكم .
وإيدين ما تحس بدفا..
إلاّ بضمْها ليديكم ..
لأحباب كانوا هنا ..
وغابوا علي من سنة ..
حايوا تباريح الغلا الدَّفينة .
بعد التحية والمحبة والأشواق الحارّة ..
بعد التحية والمحبة والأماني السارّة ..
يا هل ترى انتو كيفنا .. امرايفين ..؟
وين الحديث يجيبكم .. تنده العين دموعها ..
ايجن سايلات ارياف؟
يا هل ترى أنتو كيفنا .. خايفين ..؟
من عين الحسود تصيبكم .. وتعطش نواوير الغلا ..
تذبل اتصيف اصياف ..؟
بهذه الإيقاعات الضوئية الباهرة يكتب الحجازي ( الرسالة) و يغزل من اللغة صورًا فنية قادرة على التجذُّر في وجدان المتلقي لتصبح حالة للمناغمة الجمالية الخالصة. تجعل من رقة المشاعر حاضرة بمشهدية لافتة دون الإغراق في الرومانسية ويردُّ بذلك عمَّن قالوا:( إن شعر عبد السلام الحجازي يخلو من الرقة والرومانسيَّة ) بكلمات باذخة الإحساس ينساب فيها الجمال كما ينساب الماء في عمق الغدير : فلا يفلُّ الجمال إلا الجمال .
لك قلب طاغي في الغلا ..
ينوي خلاف وخلاف .. ولي قلب صابر .
ولك جفن في دنيا الغلا ..
داعب أطياف وأطياف .. ونا طيف عابر ..
ـ لم أستطع أن أتجاهل هذه الكلمات فقد نـُحِتت بعناية من صميم المعنى لتجعل الكتابة الشعرية هنا مخيلةً راقية تغازل بوادر القصيدة وتخلق منها شكلاً مبتكرًا ورئة يملؤها الشهيق وهي وطن مطلق وهي وهج يغمره الحلم وطيف يُفتن به المكان، ماذا بقي من صور راقصة تضيف شيئًا جميلاً آخر إلى الشعر الغنائي.
كيف ما الشمس وقت الشروق اتبان ..
تشرق علي طلاَّتك ..انحس بدفا يا احبيِّبة ..
يملا جوانب داري .
ولما الشمس في غروبها تلبس قناع ألوان..
سبحان كيف وجناتك ..انحسَّك احذاي اقريِّبة ..
ونهمس لها بأشعاري .................
بردان .. يا شمس الدفا دفِّيني ..
نا عاشقك بالفطرة ..
عشق النظر للضيّ…….............
...ونامت علي وساد الأفق ..
تحلم برحلة أمس ..
نامت ،وغطَّاها الشفق ..
نوم الهنا يا شمس .
وها هي أراها تلوَّن الأفق .. ( الشمس ) ، هي القصيدة التي نحاول كتابتها دائمًا بصورة جديدة ، تتناص مع المأثور الشعري دون أن تتطابق معه ، رُسمت كلماتها ورُصَّت دلالاتها بعناية شديدة ، هذه (الشمس) التي تجعلك تستغني عن شغف الموسيقى مكتفيًا بهذه الصور التي تندلق بكثافة وتطبع شكلاً من أشكال التّضافر بين الملفوظات في مظهر من مظاهر الحضور الشّعري والسّردي النادر.(شمس).. تشاكس الشاعر وهذا الأخير يشاكسها بحواريَّة مبتكرة في سبيل امتلاك لبِّ القول الشعري.
ثم ماذا ..؟؟ لم أتكلم عن هموم الأمة في وجدان شاعرنا فقد جعل من أوجاعها ألمًا يأوي إليه ، وزمنًا يحياه.. ( بغداد .. يا خير أمة .. حكاية الشهيد .. سناء ).هذه النصوص أكثر التصاقًا بالواقع لا من ناحية ما تضمره من ممارسة للقلق وكشفٍ وتعريٍة لكل ما وراء الأحداث فحسب ، بل عبر اللغة التي تكتب نفسها كما هي ... تطيح بكل المتواليات التراتبية فيتلبَّد الأفق الفكري بضحايا هذا الوضع المتأزم.إن الشاعر وإن كان ينسج الحروف لاحتواءٍ متعطش لطفولته فهو لا يلجأ لهذا الاحتواء إلا لكي يطال جوهر الواقع والأمكنة والفضاءات ويُسقط علاقة الأنا بالآخر ويحاول أن ينتهك أحلامه ليحيلها من أضغاث تتراءى إلى ما ورائية عابقة بكل ما يثلج الصدر ، وكل ما يفضي إلى البوابة المثلى للخروج نحو شهوة مدهشة تنجلي عن فتنة بليغة ، يفتتن بها ليتحقق شيء من الإبداع والجمال لتؤكد خصوصيتها وهويتها المنشودة.ولولاها يكون الشعر مثل حجر أو حائط صامت .. وهكذا كان (( مهد الغلا )).

الأحد، 2 مايو 2010

تباريح

يا احلام عمري الضّايعة ..
ضاع الأمل .. في بكرة .
كلّ الأمـاني الرَّايعـة ..
صارت .. مجرّد ذكرى .
يا خطوتي الِّلي تاهَت ..
بين الدّروب الشّايكة ..
وظلمة الّليل ..
لا ضيّ باين .. لا دليل ايدلِّك .
يا اقسام بي تلاهت ..
حمل الرّجا والياس ..
حمل ثقيل ..
بالله لمتى .. حـملهن شايلِّك .
يا نفس ..
ما خبّا عليها الوقت غير الموت ..
اعتادت على جوّ الخلا ..
وقلّ الونَس .
يا عين ..
شافَت في الحياة ابخوت ..
عانَت تباريح الغلا ..
وما حدّ حسّ .
يا فكر تايه ..
في متاهات الحياة ، ما اندلّ .
يا عقل ضلّ ..
يا قلب من طعم المرارة ملّ .
أرضَن بمكتوب انكتَب ..
مهما احتَجتَن عَون .
الله في كتابه كتَب ..
لمّا خلَق هـ الكون :
كلّ شي فِيد الله ..
كلّ شي بأمر الله ..
....كلّ شي كاف .. ونون .